الإمام أحمد رضا خان البريلوي رحمه الله
يشهد التاريخ بأن شمس الإسلام قد طلعت صباح القرن
السابع الميلادي و أخذت يوزع أنوارها الجليلة و أشعتها اللامعة في جميع أنحاء المعمورة
و ما زال الناس يتمتعون و يستنيرون بها حتى تنورت القلوب و الضمائر. و قد توصل
إلينا هذا الدين المبارك بعد جهود جبارة من أسلافنا الكرام كما قام الخلافاء
الراشدون بهذا المهم و عض العلماء على هذا الدين بالنواجد. يعد إمامنا إمام أهل
السنة و الجماعة و قاطع البدعة و الضلالة الإمام أحمد رضا خان البريلوي قدس الله
سره العزيز من هؤلاء طليعة العلماء البارزين الذين ساهموا مساهمة فعالة في صيانة
الإسلام و خدمة المسلمين.
ولادته و نسبه
ولد الإمام أحمد رضا خان رحمه الله تعالى يوم الاثنين
10 من شوال السنة 1272 الهجرية الموافق 14 من يونيو السنة 1856 الميلادية ببلدة
بريلي (إحدى ولاية أترابراديش في شمال الهند). كانت أسرته النبيلة و عائلته
السعيدة انحدرت من أفغان إلى أرضنا اليمونة و استقرت فيها.
و هو أحمد رضا خان بن مولانا نقي علي خان بن مولانا رضا
علي خان بن مولانا حافظ كاظم علي خان بن مولانا شاه محمد أعظم خان بن محمد سعادت
علي خان عليهم الرحمة و الرضوان.
نشأته العلمية
قد ظهرت عليه أمارات الفطنة و الذكاء منذ نعومة أظفاره
كان آية في حدة الذهن و كثرة الفضل و سعة العلم و دثامة الخلق و سداد الرأي و قد
جمع الله فيه مواهب من العقل الهائل النير و الفهم المشرق و العاطفة القوية و
القلب الفياض و الروح المشبوبة النضرة و اللسان البليغ و الزهد و القناعة المقنعة.
اختتم
الإمام رحمه الله القرآن
الكريم في سنه الصغير في 4 من عمره لما صب عليه الله سر العلم و الحكم و لله در
القائل
إذاما أراد
الله خيرا لعبده **** يصب عليه سر العلم و الحكم
و قد حدثت حادثة تدل على وفور ذكائه و سرعة فهمه
عندما ذهب به جده مولانا رضا علي خان للبسملة إلى الأستاذ فقال بسمل و علمه الحروف
الهجائية من الألف إلى الياء فلما بلغ "لا" (لام ألف) اعترض و قال إني
قد قرأت الألف في البداية فتحير الاستاذ من عقله المتقد فأجاب عنه جده - و كان
حاضرا- إن الألف التي قرأتها في البداية ليست في الأصل ألفا بل هي همزة لأن الألف
لا تجيئ إلا ساكنة متصلة فاعترض اعتراضا آخر لما وصلت الألف باللام دون الحروف
الأخرى فقال جده الكريم في رفق وصلت الألف باللام لأن بينهما نسبة ممتازة إذا كتبت
الألف كتبت اللام في وسطها و إذا كتبت اللام كتبت الألف في وسطها.
تلقى الإمام عليه الرحمة و الرضوان مبادئ العلوم
الشرعية و الفنون الفرعية من والده العزيز مولانا نقي علي خان – كان عبقريا و
متبحرا في العلوم و كان شخصية رحلة و مرجع الخلق في زمانه- و لازمه و كرع أيضا من مناهل الشيخ محمد سعيد
بابصيل و الشيخ المفتي الحسين بن صالح جمل الليل المكي وغيرهما من الفضلاء
الجهابذة و العلماء العباقرة حتى برع و تبحر في العلم و فاق أترابه سيما في الفقة
و الأصول و نال الإجازة العلمية في الرابع عشر من سنه و جعل يفتي تحت إشراف أبيه و
تخرج عليه الفضلاء و قصدته الطلبة من أبعد الأرجاء و تهافتوا عليه تهافت الظمآن
على الماء البارد.
و من الحق البين الذي يعترف به الأوداء و الأعداء كان
متبحرا في العلوم المتنوعة و الفنون
المختلفة حيث يقول عبد الحي الكهنوي والد ابي الحسن الندوي "كان عالما متبحرا
كثير المطالعة واسع الاطلاع له قلم سيال و فكر حافل في التـأليف". كان الإمام
ماهرا و بارعا في أكثر من 50 علما و فنا سيما في الفقة و التفسير و الأصول حيث
يقول عنه مصنف الاعلام "يندر نظيره في عصره في الاطلاع على الفقه الحنفي و
جزئياته يشهد بذلك مجموع فتاواه (العطايا النبوية في الفتاوي الرضوية)". و
قال الدكتور حازم أستاذ الأزهر"شعر أحمد رضا خان هو اتصافه بنوع ما من
العالمية فهو عالم دين يعرف الأصول و القواعد
الفقهية، و محيط بتفاصيل السيرة النبوية و لذا فهو يمدح الرسول مدحا علميا فتمثل
أشعاره بالمعلومات جنبا إلى جنب مع العواطف".
دفاعه عن الإسلام و الرسول صلى الله عليه و سلم :
و من الحقائق الغضة التي يحيط بها كل من له إلمام واسع
بتاريخ شبه القارة الهندية حاضره و غابره أن الظلام قد كان يسود العالم في القرن
الرابع عشر الهجري و تهب العواصف الهوجاء و القواصف المعاندة للإسىلام تكاد أن
تقلع شجر الإسلام من جذوره عندئذ أرسل الله رجلا أخرج الناس من الظلمات إلى النور
و جاوز بعيقريته العلمية و براعته الشخصية ثغور الهند إلى أرجاء الشرق الأوسط و
العالم الغربي. و هذا الرجل هو الإمام أحمد رضا رضي الله عنه قدس الله سره العزيز.
قد افترق مسلموا الهند في القرن الرابع عشر على فرقتين
لم يسع لأحد أن يميز الخطأ من الصواب و لم يقدر أحد على امتياز القشر عن اللباب عندئذ
رفع الإمام قلمه السيال و رد على أهل الأباطل و صنف زهاء ألف كتاب ردا. قد ترجم
المبطلون القرآن ترجمة باطلة كاذبة ففسروا الآية و وجدك ضالا "وجدك منحرفا(گمراه في الأردوية) عن دين الله الحنيف"
فرد عليهم الإمام و صنف كتابه المشهور كنز الإيمان في ترجمة القرآن و فسر الآية و
وجدك مستغرقا في حبه تعالى (خود رفتہ في الأردوية)
استدلالا بقوله تعالى "قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم" أي حبك ليوسف
عليه السلام كما في تفسير الثوري.
و لما كان
الإمام في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء الحج طلع قرن من قرون الشيطان و ادعى ان
النبي لم يكن عنده علم ما خلفه فضلا عما غاب عنه من الغيوب و افترى على الله الكذب
فرفع الإمام قلمه و صنف كتابه المشهور"الدولة المكية بالمادة الغيبية"
في ثماني ساعات في ظل الكعبة. قد حير هذا الكتاب علماء مكة و فضلائها لما اشتمل
على الدلائل من الأحاديث النبوية و القرآن و قرظ كتابه هذا عديد من الفضلاء
النبلاء على رأسهم الشيخ أحمد أبو الخير و الشيخ عبد الله بن حميد العنيزي الحنبلي
و الشيخ علي بن صديق كمال المكي الحنفي عليهم الرحمة و الرضوان و لم يزل الإمام
أحمد رضا يرد على المبطلين و أهل البدعة و الضلالة و يدافع عن الإسلام و عن الرسول
حتى صار شعارا من شعائر أهل السنة و الجماعة حيث يقول السيد محمد علوي
المالكي"حبه علامة السنة و بغضه علامة البدعة".
كما كان الإمام أحمد رضا له قلم سيال في الرد
على الأباطل و دور هام في صيانة الإسلام
كان له قلم سيال في المدح النبوي صلى الله عليه و سلم و يدل عليه مجموع أشعاره
الضخيم المسمى بـ"حدائقِ بخشش" و قد ظفر الإمام بغاية المنى حيث أتيحت
له في الحج الثاني رؤية النبي صلى الله عليه و سلم اثر إنشاد أبياته المشهورة "وه
سوۓ لالہ زار".
كلمات بعض الفحول :
قد أثنى عليه أكابر العلماء العباقرة و اتسع المقال في
مدحه حتى حارت العقول في تقدير فضله و خرست الألسنة دون وصف يحيط بذلك و ان تلك
الكلمات قد هزت أعصاب أذني اربا اربا لأنه كان الإمام شخصية فذة ذات خدمات جليلة و
اسهامات متميزة في تجديد أمور الدين لهذه الأمة و الرد على الأباطل و الدفاع عن
الرسول صلى الله عليه و سلم و إحياء السنة لذلك قال عنه الشيخ موسى علي الشامي
الأزهري"إمام الأئمة المجدد لهذه الأمة المؤيد لنور قلبها و يقينها الشيخ
أحمد رضا بلغه الله في الدارين القبول والرضوان"، و قال عنه العلامة فضيلة
الأستاذ محمد يوسف الأفغاني المكي رحمه الله "الذي افتخر بوجوده الزمان"و
قال الشيخ عبد الله أبو الخير "شيخنا العلامة أحمد رضا خان البريلوي"، و
قال العلامة الشيخ المفتي الحسين بن صالح جمل الليل المكي قدس الله سره العزيز
آخذا بيد الإمام بعد صلاة المغرب بلا تقدم تعارف بينهما "إني لأجد نور الله
من هذا الجبين"
وفاته :
أخيرا غادر الإمام هذه الدنيا التي لا بد أن نغادرها و
ارتحل إلى جوار ربه يوم الجمعة 25 من شهر صفر السنة 1340 الهجرية المصادف 29 من
أكتوبر السنة 1921 الميلادية.
بالجملة لا جن بهذا الأمر أن الإمام أحمد رضا قدس الله
سره العزيز عاش مدافعا عن دين الله و عن الرسول صلى الله عليه و سلم و محبا له و
أذن بالحرب من كل من حاد الله و رسوله كما أنه التزم بحسن المعاملة من كل من ود
الله و رسوله ألآ كل ذلك من شأن المؤمنين و أشار الله سبحانه و تعالى إلى هؤلاء
المسعودين بقوله " أولئك في كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه و يدخلهم
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه أولئك حزب الله
ألآ إن حزب الله هم المفلحون ". أخيرا أسأل الله سبحانه و تعالى أن ينور ضريح
إمامنا الإمام أحمد رضا خان البريلوي و ينفعنا من علمه الغزير آمين......
By: MUSHAHIDRAZA (SITAMARHI,
BIHAR)
Please write a comment and share on
your face book
0 comments:
Post a Comment